الدولة العثمانية الجزء الأول
الدولة
العثمانية
علشان نعرف إيه أساس الدولة
العثمانية وجت منين وابتدت امتي لازم نرجع قبلها بشوية.
لبقعة من الأرض بين أوروبا وآسيا.. 3000 سنة قبل الميلاد.
البقعة دي كان اسمها "الأناضول".. أو مانعرفه اليوم
باسم "تركيا".
مفيهاش شعب حقيقي نقدر نسميه "أبناء الأرض".. أو
"ذو دم نقي".. مجرد بقعة من الأرض بيهاجر إليها بعض قبائل الفرس.. مع
قبائل من المغول.. على قبائل بدوية رُحل.. عشان كده بتلاقي لغتهم النهاردة فيها
مزيج من كل اللغات دي.. وحتى الأوردية.. لغة أهل الهند.. علماء اللغة أكدوا أن
اللغة التركية في الاصل منبثقة عن اللغة المغولية.. التي تشمل التتارية
والمنغولية.. رغم تشابهها بقوة مع اللغة الفارسية التي لا تحتوي على مذكر أو مؤنث
ولا مثنى.. بسبب اختلاط المغول اللي كانوا هناك بالفرس من قبل الميلاد.
ومفيش حد تقدر تبص في وشه وتقول "دا شكله تركي"
مثلا.. زي العربي والروسي والفارسي والأوروبي. مع إن في شبه إجماع من العلماء أن
الأغلبية في العرق دا أصلهم مغول.
القبائل دي بتفضل في صراع ونزاع طول الوقت.. وحرب أهلية مزعجة..
قوامها الحجر وجذوع الأشجار.. لأننا في العام 3000 قبل الميلاد تقريبًا.
حتى الفرس والمغول اللي كانوا وقتئذ قوة إلى حد ما.. القبائل
اللي هاجرت منهم إلى البقعة دي كانت مجرمين منفية أو بدو رحل.. مش على درجة من
التطور تناسب ذلك العصر.. وماعرفوش يندمجوا مع مفرداته ولا يطوروا نفسهم وسلاحهم.
بتستمر المنطقة دي أشبه بالزريبة.. قائمة على صراع الناب
والمخلب والقبلية والتخلف.. لحد العام 336 قبل الميلاد.
في العام دا بيجلس على عرش "مقدونيا" ملك إغريقي
مقدوني.. خلفاً لوالده "فيليبوس الثاني المقدوني Philip II of
Macedon".. اللي
عمل تحالف بين "أثينا" و"طيبة".. مكّنه من غزو اليونان كلها..
وبقى حاكمها المطلق.. لحد ما تم اغتياله على يد زوجته "أوليمبياس"
بواسطة قاتل محترف، يدعى "باوسانياس الأوريستيسي".. لأن
"فيليبوس" كان قد تزوج عليها.
ووريث "فيليبوس" دا بينطلق من حيث انتهى والده..
وبيبدأ يأسس واحدة من أعظم وأكبر الإمبراطوريات في تاريخ العالم.. وبيمتد نفوذه من
"البحر الأيوني Mare Ionio" شمال المتوسط.. لحد جبال الهيمالايا...
القائد دا معروف أنه لم يهزم مرة واحدة في أي معركة خاضها في
حياته عبر التاريخ.. وله بصمة عندنا في مصر.. لأنه جه عندنا وأسس مدينة كبرى شهيرة
في الشمال حملت اسمه، لحد لحظة كتابة هذه السطور.
الملك دا اسمه "الإسكندر الأكبر Alexander III of
Macedon".
في الوقت نفسه كانت الأناضول دي لازالت ترفل في همجيتها لحد
العام 334 قبل الميلاد - لاحظ تواريخ قبل الميلاد بتعد تنازلي.. لحد بداية التقويم
الميلادي.. يعني بتقل مش بتزيد.. بتمشي بالعكس - اللي بيجي فيه "الإسكندر
الأكبر" بقواته الهائلة وجيشه الرهيب.. ويكتسح الأناضول تمامًا في ساعتين زمن
تقريبًا.. أو حسبما قال بعض المؤرخين حرفيًا "من قبيل الفجر إلى ما قبل
الشروق".. ويضمها إلى إمبراطوريته الجبارة اللي تربعت على عرش العالم القديم
في حقبة ما من حقب التاريخ.
"الإسكندر" بعدها بيقرر يغزو مصر.. وكانت وقتها في عصر من
عصور الاضمحلال الأخيرة، اللي اتقسمت لعصر الاضمحلال الأول والثاني وإلخ.. ونتكلم
عنها بإذن الله لما نتكلم عن مصر القديمة في سلسلة منفصلة.. المهم إن مصر في العصر
دا كانت محتلة من الفرس.. ونظر أهلها للإسكندر على أنه صديق وبطل منقذ.. وعمق
الشعور دا أننا كنا في الأصل حلفاء لليونان معظم الوقت وبيننا تبادل تجاري وثقافي
واسع.. فلما بيوصل للفرما، بوابة مصر الشرقية، في خريف عام 332 ق.م، بيفتح له
المصريين الأبواب ويرحبوا به.. وبيسلموه الحامية الفارسية تسليم أهالي.. لدرجة
أنها بتستلم دون أي مقاومة من هول المفاجأة.
بيتحرك شمالًا على نفس النهج لحد ما بيوصل لجزيرة صغيرة اسمها
"فاروس".. فبيقرر أنه يردم البحر ويحولها لمدينة كبيرة.. وبيكلف أحد
وزرائه وهو "دينوقراطيس" بالمهمة دي.. وبالفعل بتتبني المدينة وبتتسمى
على اسمه زي ما قلنا.. "الإسكندرية".. وبتتحول لعاصمة الدولة.. في عهد
البطالمة من بعده .
مع احتلال "الإسكندر" للبقعة دي.. بيبدأ يستقدم
الجماعة بتوع الأناضول دول.. اللي كانوا بلا حرفة أو فائدة فعليًا.. ويحولهم إلى
عمالة رخيصة في اشغال وضيعة.. كتسخين الحمامات.. و"العناية بالجواري"..
والحلاقة، والقيام على نظافة حظائر المواشي والأغنام.. وإطعام الخيول و.. إلخ.
وفي العام 326 قبل الميلاد.. بيزحف "الإسكندر" على
الهند.. وهناك بيلتقي بواحد من أبرع القادة العسكريين في تاريخ العالم القديم..
وهو الملك الهندي "بوراس King Porus".. وبتدور بينهم معركة ملحمية رهيبة، تعتبر أقسى
وأشرس المعارك اللي خاضها "الإسكندر" في حياته.. وفقد فيها ثلث جيشه
تقريبًا.. لكن خبرته العسكرية رغم صغر سنه - 32 سنة - خلته ينتصر في النهاية..
ويدخل الهند.. وخلت التاريخ يتوقف للحظات.. ويلتقط ريشته ومحبرته عشان يدون لنا
المعركة الضارية دي تحت اسم "معركة هيداسبس Battle of the
Hydaspes".
وكانت "معركة هيداسبس" دي آخر معارك
"الإسكندر".. لأن جنوده فطنوا على يد "الملك بوراس" لحقيقة
أول مرة ياخدوا بالهم منها.. أنهم ممكن يموتوا بعيد عن أهلهم في أية لحظة.. وبدأوا
يتمللوا ويتساءلوا.. امتى يرجعوا لبلادهم.
وهنا بيبلغهم "الإسكندر" بالنبأ السعيد.. "إحنا
لسه مكملين كام سنة كمان يا جماعة.. محدش حيروح بيتهم".. وخد قرار يهاجم
البنغاليين.. وكان لهم دولة كبرى قوية بجيوش جرارة.. مقاتليها شرسين للغاية.. وهنا
بدأت الجنود تتمرد.. وخرج على "الإسكندر" أكتر من 20 ألف جندي.. في
عصيان مباشر صريح.. على قلب رجل واحد بقرار واحد.. لا قتال إلا لما نشوف زوجاتنا
وأطفالنا.
ومع عناد "الإسكندر" الشهير.. بيقرر يتصدى للجنود
المارقة دي.. وبيكلف قائده "كوينيوس" بالعملية دي.. لكنه بيفاجأ بالأخير
بيقول له: "لقد تاق الرجال لرؤية أبائهم وأمهاتهم، وزوجاتهم وأولادهم، وأرضهم
وأوطانهم".
ولأن الإسكندر كان حكيم.. ففي اللحظة دي بالذات.. بيعدل عن
قراره بمواجهة وعقاب المتمردين.. وبيبلغ الجنود بقراره الجديد.. بالانسحاب والعودة
للديار.. يشوفوا وطنهم اللي مشافهوش من سنين.. وأطفالهم وزوجاتهم اللي نسوا شكلهم.
ودي كانت آخر فتوحات "الإسكندر" الأكبر.. بينتقل
بعدها إلي "سوسة" في بلاد فارس.. وكانت تحت سيطرته.. وبيكتشف إن القادة
اللي عينهم ظلموا الناس وأكلوا حقوقهم وتعدوا على حرمات النساء.. فبيقبض عليهم
ويعدمهم جميعًا بلا تردد.
وبعد الواقعة دي.. وأثناء إقامته بـقصر " نبوخذنصَّر"
في بابل.. اللي كانت تحت سيطرته برضه.. بتلدغه بعوضة صغيرة.. بتؤدي لدغتها إلى
تورم في مكان اللدغة مع حمى عنيفة.. ودا خلا المؤرخين يرجحوا أنها كانت بعوضة
بتحمل طفيل زي الملاريا.. وشعر "الإسكندر" بالمرض.. فبعت يستدعي معاونه
"أنتيپاتر".. اللي كان استأمنه على مقدونيا أثناء حملاته وفتوحاته.
لكن الأخ " أنتيپاتر" كان عكّ في مقدونيا زي بالضبط
ما عمل قادة "الإسكندر" في "سوسة".. واعتقد إن الإمبراطور
بيستدعيه لاعدامه.. فبيبعت لابنه "إيولاس" وكان ساقي
"الإسكندر" الخاص.. حمامة زاجلة.. برسالة خاصة.. وبيطلب منه فيها يدس
للإسكندر السم في الشراب.. وبالفعل بيشرب "الإسكندر" خمر على شرف
"هرقل" في حفل سمر خاص، في ليلة حارة من ليالي منتصف يونيو.. عام 323
قبل الميلاد.. وبسبب السم مع المرض.. بتتفاقم حالته في شدة.. وبيموت.
بموته بيبدأ كل قائد من قادته يستقل بجزء كان بيحكمه.. وبيقسموا
الأناضول - تركيا الحالية - بينهم.. وكل شوية بقوا يحاربوا بعض ويخلوا الأناضوليين
يضربوا في بعض.. فنشبت في المنطقة دي سلسلة مروعة من الحروب الأهلية.. رجعتها لما
قبل ما "الإسكندر" يفتحها.. قبائل بهايم غير متحضرة بتقتل بعض طيلة
الوقت.
مع وفاة "الإسكندر" وتقسيم دولته بين جنرالاته بتضعف
في شدة.. فبييجي قبائل "الكلت أو السلت أو القلط Celts" من أوروبا.. ويحتلوا الأناضول.. ويبنوا فيها
مدينة عشان تكون مركز لحكمهم.. المدينة دي كلنا نعرفها اليوم باسم "أنقرة".
التاريخ مبيفضلش على حال.. فبييجي الرومان يطردوا الكلت..
ويحتلوا الأناضول.. وبيبنوا المرة دي فيها مدينة جديدة عشان تكون عاصمتهم ويباشروا
منها الأمور.. وبيسموها القسطنطينية.
اللي احنا نعرفها اليوم باسم "أسطنبول".
قراءة التاريخ عجيبة.. وتحسه بيكرر نفسه طيلة الوقت.. ربما بسبب
حماقة البشر.. لأنه الإمبراطورية الرومانية بتنهار مع وفاة "ثيودوسيوس
الأول".. وزي ما حصل مع إمبراطورية "الإسكندر" بالضبط.. بتبدأ
تتفكك.. وكل واحد يستقل بحتة.. فبتنشأ في الأناضول على أنقاض الإمبراطورية
الرومانية، إمبراطورية جديدة.. اسمها الإمبراطورية البيزنطية. بقايا الرومان وبنفس
عاداتهم وأعرافهم.. بس بشكل جديد واسم مختلف.
اللي تلاحظه في تاريخ تركيا.. إن البقعة دي من الأرض عمرها ما
حكمت نفسها بنفسها إلا مرات قليلة للغاية تتعد على أصابع اليد الواحدة.. وعمرها ما
أنتصرت في حرب ضد حد جه يحتلها.. حتى في عز قوة الدولة العثمانية.. اللي امتلكت
جيش لم تمتلك دولة في الشرق مثله.. إبراهيم باشا على رأس الجيش المصري.. حاصر قصر
السلطان العثماني وحدد إقامته في الآستانة زي ما حنشوف لاحقًا.
الإمبراطورية البيزنطية بتدخل في حقبة من حقب الإضمحلال.. أهم
أسبابها الإهمال العلمي.. فبتتأخر وتصبح في ذيل الأمم.. وبيتأخر سلاحها ويصبح
عتيق.. ومع انتشار الفساد وتجنيب أهل الكفاءة لحساب رجال القصر ومن يرضون عنه..
بتبدأ تنهار فعليًا وتتقسم وتندثر.. وبترجع البقعة دي قبائل متناحرة في حرب أهلية
كما كانت.. بلا ضابط أو رابط.
وكان في قبائل مرتزقة من دول زي السلاجقة راحوا ركبوا الدولة
العباسية شوية.. وقتلوا بعض شوية.. وحاولوا بأي شكل يأسسوا دولة.. لكنهم بيفشلوا
ويظلوا مرتزقة.. لحد ما بنوصل في مصر لعهد المماليك.. والقائد "الظاهر
بيبرس".. اللي بيقابله في الأناضول قائد جديد لأحد القبائل.. مجهول النسب..
يصغره بسبع سنين تقريبًا.. بدأ نجمه يسطع لأسباب خاصة.
والقائد دا كان اسمه "ارطغرل Ertuğrul "وقصة الراجل دا واسباب سطوع نجمه، الحديث عنها يطول.. فنكمل
كلامنا لاحقًا.
ويبقى للحديث.. بقية.
#الدولة_العثمانية 1